مقدمة



في 6 يونيو 2025، في مائدة مستديرة نظمها معهد الإدارة العامة والتنمية الاقتصادية (IGPDE)، ناقش ممثلو الحكومات والباحثون والجهات الفاعلة في القطاع الخاص سؤالاً حاسماً: هل الذكاء الاصطناعي تهديد أم مكسب للبيئة؟ لم تعد هذه المسألة مسألة للتكهنات: فالاستخدام الواسع النطاق للذكاء الاصطناعي في الأنشطة الصناعية والزراعية واللوجستية له تأثير ملموس، سواء من حيث استهلاك الطاقة أو الكفاءة البيئية.

في حين أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تعتمد بشكل كبير على البنى التحتية كثيفة الاستهلاك للطاقة، لا سيما مراكز البيانات وسلاسل المعالجة الخوارزمية واسعة النطاق، بدأت تظهر مبادرات لتنظيم استخدامها بطريقة أكثر مسؤولية. هذا هو الغرض من معيار SPEC 2314 الذي نشرته AFNOR في عام 2024، والذي يشجع على اتباع نهج ”مقتصد“ للذكاء الاصطناعي، استنادًا إلى مؤشرات بيئية ومبادئ تواصل شفافة. ولكن تظل هذه الأدوات طوعية في الأساس، بينما لا تزال التشريعات الملزمة تكافح من أجل تحديد جميع الآثار البيئية لهذه التقنيات.

في ظل هذه الخلفية، يبرز سؤال أساسي: هل الآليات القانونية المعمول بها في عام 2025 قادرة على توفير إطار عمل فعال للآثار المتناقضة للذكاء الاصطناعي على البيئة، بين الوعود البيئية والمخاطر المناخية؟


I. الذكاء الاصطناعي، محفز للعوامل الخارجية البيئية الرئيسية


يعتمد نمو الذكاء الاصطناعي على البنى التحتية الرقمية كثيفة الاستخدام للموارد. ويتطلب تدريب النماذج المعقدة، مثل النماذج المستخدمة في التعرف على الصور أو معالجة اللغات الطبيعية، كميات كبيرة من الطاقة والحوسبة والمياه لتبريد الخوادم. ووفقًا للتقرير الذي نشره الاتحاد الدولي للاتصالات والتحالف العالمي لقياس الأداء في يونيو 2025، فإن شركات التكنولوجيا المشاركة في الذكاء الاصطناعي أنتجت ما يقرب من 297 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في عام 2023 - وهو ما يعادل بصمة عدة دول في أمريكا الجنوبية مجتمعة.


وتضاف إلى هذه الأرقام العواقب البيئية غير المباشرة: الاستهلاك المتزايد للأتربة النادرة، واستغلال الأراضي لمراكز البيانات، وتكثيف سلاسل التوريد الرقمية. وقد تأكدت هذه الملاحظة في اجتماع المائدة المستديرة للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، حيث سلط خبراء من لجنة التنمية المستدامة وإدارة شؤون البيئة والتنمية المستدامة و”المعهد الألماني للبيئة والتنمية“ و”المؤتمر الثاني والعشرون“ الضوء على عدم كفاية التدابير التنظيمية الحالية لاحتواء هذه الآثار. إن منطق الابتكار السريع والافتقار إلى الشفافية فيما يتعلق بالطرق المستخدمة لحساب آثار الكربون يجعل من الصعب إجراء أي تقييم دقيق، خاصة وأن الالتزامات القانونية فيما يتعلق بالإبلاغ عن الآثار المالية الإضافية غالبًا ما تظل عامة وغير مقيدة للغاية.


ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد عامل خطر. ففي سياقات معينة، يمكن أن يساعد في تحسين الكفاءة البيئية للأنشطة البشرية. وهناك عدد من الأمثلة الملموسة على ذلك: تحسين التدفقات اللوجستية، والشبكات الذكية، والزراعة الدقيقة، ونمذجة المناخ، والصيانة التنبؤية في الصناعة. تساعد هذه الاستخدامات على تقليل النفايات وتحسين الاستهلاك وتوقع الآثار البيئية بشكل أفضل. ومع ذلك، فإن هذا يفترض مسبقًا أن هذه الحلول نفسها مصممة مع مراعاة الرصانة، بما يتماشى مع الأهداف المناخية. المفارقة، إذن، هي أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسرع من عملية التحول ويعيقها في آن واحد، اعتمادًا على الظروف التي يتم استخدامه فيها.

ثانياً. التنظيم القانوني قيد الإنشاء في مواجهة التناقض البيئي للذكاء الاصطناعي



في مواجهة هذه الملاحظات، يحاول القانون تنظيم الاستجابة. في عام 2024، كان نشر معيار AFNOR لمعيار SPEC 2314 خطوة أولى في تحديد ما يمكن أن يكون عليه ”الذكاء الاصطناعي المقتصد“. تقترح هذه الوثيقة، وهي ثمرة شراكة مع الوزارة الفرنسية للتحول الإيكولوجي ووكالة حماية البيئة الفرنسية والعديد من المجموعات الرئيسية، منهجية لتحليل دورة حياة أنظمة الذكاء الاصطناعي، و31 ورقة من أفضل الممارسات، ومبادئ التواصل الإيكولوجي التي تهدف إلى مكافحة الغسل الأخضر. ومع ذلك، فهذه أداة قانونية غير ملزمة، وتهدف بشكل أساسي إلى توفير التوجيه للشركات الطوعية. يمكن أن تلعب دورًا في استراتيجيات المسؤولية الاجتماعية للشركات أو في بناء المناقصات العامة، ولكن ليس لها قيمة معيارية مباشرة.

على المستوى الأوروبي، يعد قانون الذكاء الاصطناعي، الذي يمر حاليًا بمرحلة الاعتماد، أول محاولة لتنظيم منهجي للذكاء الاصطناعي. على الرغم من أن النص يركز بشكل رئيسي على إدارة المخاطر المجتمعية (التمييز والمراقبة والأمن)، إلا أنه يحتوي على أحكام شاملة يمكن استخدامها لدمج الأهداف البيئية، لا سيما من خلال مبدأ ”عدم إلحاق ضرر كبير“ (DNSH) في الصفقة الخضراء الأوروبية. ومع ذلك، فإن العلاقة بين قانون الشؤون الداخلية والمتطلبات البيئية لا تزال نظرية إلى حد كبير، ولا يوجد حاليًا أي التزام محدد بالحد من استهلاك الطاقة أو قياس الانبعاثات في الأنظمة عالية المخاطر.

ومع ذلك، يمكن أن يتغير القانون الفرنسي. تهدف بعض المقترحات إلى جعل معيار المواصفة القياسية 2314 معياراً للاختيار في عقود المشتريات العامة، أو تعزيز التزامات الإبلاغ خارج نطاق المالية بمؤشرات استهلاك رقمية دقيقة. فيما يتعلق بالتقاضي، يسمح قانون البيئة والقانون المدني (المادة 1240) بالفعل بمطالبات المسؤولية عن الأضرار البيئية الناجمة عن نظام الذكاء الاصطناعي، شريطة إثبات وجود علاقة سببية. لا يزال الاجتهاد القضائي في هذا المجال متخلفًا، ولكن ظهور التقاضي المرتبط بالتلوث الرقمي يمكن أن يسرع من تطوره.


في هذا السياق، فإن إنشاء علامة ”الذكاء الاصطناعي الأخضر“، أو التدقيق البيئي الإلزامي للأنظمة الحرجة، أو دمج الرصانة الرقمية في أدوات إصدار شهادات الأيزو أو أدوات مراقبة الامتثال (CNIL، ARCOM، AFA) كلها سبل يجب استكشافها. لا تزال الحوكمة البيئية للذكاء الاصطناعي عملاً قيد التنفيذ، لكنها أصبحت ضرورية.



الخلاصة

يبلور الذكاء الاصطناعي اليوم تناقضات عصرنا: فهو حامل ابتكارات بيئية محتملة، لكنه لا يزال يستند إلى نموذج يستهلك الكثير من الطاقة ولا يتسم بالشفافية. وبالنظر إلى هذا التناقض، يلعب القانون دورًا حاسمًا في تنظيم الاستخدام وفرض الشفافية وتوجيه الممارسات نحو الرصانة الرقمية المستدامة. وعلى الرغم من وجود عدد من الأدوات بالفعل، مثل القانون 2314 الخاص بالمعايير 2314 والتزامات الإبلاغ عن المسؤولية الاجتماعية للشركات، إلا أن نطاقها يظل محدودًا طالما أنها غير ملزمة.

وسيتمثل التحدي القانوني خلال السنوات القليلة المقبلة في تحويل هذه المبادرات الطوعية إلى معايير فعالة، مدعومة بآليات رقابة وعقوبات. وفي نهاية المطاف، يمكن أن يؤدي إدراج لوائح بيئية محددة في التشريعات الأوروبية والفرنسية إلى جعل الذكاء الاصطناعي رافعة حقيقية للتحول البيئي. ولكن لا يزال يتعين أن تكون الخيارات السياسية والتنظيمية على قدم المساواة مع التحديات المناخية.